رامي زهدي يكتب: « هل تنتحر أمريكا في إفريقيا؟ ما بين السياسة المهتزة والرصاصات الطائشة»

في ظل استقطاب دولي وظروف سياسية وأمنية صعبة، تطل الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بوجه جديد ومعالم غير مفهومة.، إدارة “ترامبية” مثيرة وغير مسبوقة تتسم بتهديدات للدول، ومحاولات تهجير شعوب، وحروب اقتصادية تتجلى في رفع التعاريفات الجمركية واختلاق الأزمات. وسط هذا المشهد المضطرب، يبرز سؤال ملحّ: هل تنتحر أمريكا في إفريقيا وتطلق الرصاصات على قدميها بسياساتها المهتزة وغير المنصفة تجاه القارة الإفريقية التي كانت في الأساس تشكو من التجاهل  الأمريكي سابقًا؟

لا يبدو مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية واضحاََ أبداََ، وعلي مستوي ثلاثة محاور رئيسية للعلاقات الأمريكية الإفريقية، السياسي، الاقتصادي، والمحور الأمني يبدو حجم التناقضات ملفت للانتباه،  بداية، المحور السياسي: منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، اتخذت السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا مسارًا جديدًا، يتسم بعدم الوضوح والتقلبات الحادة. على الرغم من الإعلان عن استراتيجيات مثل “إفريقيا المزدهرة”، إلا أن السياسات الفعلية على الأرض كشفت عن توجه نحو تقليص المساعدات والوجود الدبلوماسي. هذه المقاربة الجديدة تضع العلاقات الأمريكية الإفريقية أمام اختبار حقيقي، لا سيما مع تزايد النفوذ الصيني والروسي في القارة.

في الواقع، لطالما كانت السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا تتسم بعدم الاهتمام النسبي، حيث تركز الإدارات المتعاقبة بشكل أكبر على الملفات الأكثر إلحاحًا في الشرق الأوسط وآسيا. ومع مجيء ترامب، تغيرت المعادلة لتتحول من التجاهل إلى سياسات صدامية، مما أثار مخاوف الشركاء الأفارقة من تراجع الدور الأمريكي في المنطقة. السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: هل تدرك الإدارة الأمريكية أن سياساتها الحالية قد تدفع إفريقيا للبحث عن بدائل أكثر استقرارًا وقوة مثل الصين وروسيا؟

ثم،  علي مستوي المحور الاقتصادي: ومن منظور اقتصادي، تشكل إفريقيا سوقًا ضخمة وواعدة بفضل تنامي الطبقة الوسطى ومواردها الطبيعية الهائلة. ومع ذلك، فإن السياسات الأمريكية الاقتصادية تجاه القارة تواجه تحديات جمة. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في فرض التعاريف الجمركية على بعض المنتجات الإفريقية، مما أضر بالشراكات التجارية مع دول مثل جنوب إفريقيا وكينيا. في المقابل، تستثمر الصين بشكل استراتيجي في مشاريع البنية التحتية، فيما تدعم روسيا التعاون العسكري والموارد.

تدرك إفريقيا أن التنمية المستدامة تتطلب شراكات متوازنة تحترم مصالح جميع الأطراف. ومن هذا المنطلق، باتت العديد من الدول الإفريقية تسعى إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. هل يمكن للولايات المتحدة إعادة بناء ثقة شركائها الأفارقة وتقديم بدائل حقيقية تستوعب التحولات الاقتصادية الكبرى في القارة؟

اما فيما يتعلق بالمحور الأمني: في المجال الأمني، تواجه إفريقيا تحديات معقدة تتراوح بين الإرهاب العابر للحدود، والنزاعات الداخلية، وتفاقم الجريمة المنظمة. هنا تأتي المفارقة، حيث تسعى واشنطن لتقليص وجودها العسكري في بعض المناطق الإفريقية، مما يخلق فراغًا أمنيًا تستغله قوى أخرى لتعزيز نفوذها.

إن تراجع الدور الأمني الأمريكي يثير قلق حلفاء واشنطن التقليديين في إفريقيا، حيث تتزايد مخاوفهم من تدهور الأوضاع الأمنية دون دعم أمريكي فاعل. في المقابل، تعمل روسيا على توسيع حضورها العسكري من خلال اتفاقيات تعاون أمني، بينما تواصل الصين تقديم دعم لوجستي وتدريب في عدة دول. هل يمكن للولايات المتحدة أن توازن بين الانسحاب التدريجي والحفاظ على استقرار حلفائها في القارة؟

في النهاية، تظل العلاقات الأمريكية الإفريقية معلقة بين رغبة واشنطن في الحفاظ على نفوذها وسياسات تبدو منفصلة عن الواقع الإفريقي. ومع استمرار الصين وروسيا في تعزيز وجودهما الاقتصادي والسياسي في القارة، يبدو أن السياسة الأمريكية الحالية قد تكون بمثابة إطلاق رصاصات على نفسها، خاصة إذا لم تعيد واشنطن حساباتها تجاه إفريقيا.

إن إعادة صياغة العلاقات الأمريكية الإفريقية تتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة وتتعامل مع القارة كشريك استراتيجي لا مجرد منطقة نفوذ. إذا لم تقم واشنطن بذلك، فقد تجد نفسها خارج المعادلة الإفريقية في المستقبل القريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى