محيي الكردوسي يكتب : “أمي ..مدَدها سفينة نجاة”

جميعًا نسير «بمَدد» أبوينا منذ مرحلة النشأة حتى الممات ولكن تأتي لحظات ينقطع مفعول هذا المَدد عندما تأتي الساعة التي لا ريب فيها، وهي انتهاء الأجل لكل منهما، ولكن يتوقف مفعول المَدد بشكل نهائي عندما ترحل «الأم»،وهنا تشعر بتوقف الأرض عن الدوران وتصبح حياتك عبارة عن طفل يتخبط.. فقد البصر والبصيرة.. يبحث عمّن يحنو إليه، ويمد له يد العون بكلمة تُرجعه إلى صوابه الذي فقده والاهتداء إلى طريق ضَلّه.
ومع رحيل المدد «أمي» أصبحتُ مثل كل يتيم يبحث عن كلمة حنونة.. ولكن معي انقطاع المَدد وتوقفت الحياة لأن هذا المَدد هو الدعاء الذي يكسر البلاء ويجعل منه خفيفًا تتقبله الروح.. لتسير الأيام كما تريد، ولكن بقدرٍ ولطفٍ من الله بفضل هذا المَدد.
وها هنا أجلس أنتظر القدر بكل تبعاته دون مَدد أو لُطفٍ فيه وهذا يعلمه الله.. حتى الأبواب التي كانت تفتح لي مالت بالقرب من الانغلاق أو الانتظار لحين عبوري للمرة الأخيرة شفاعة بمَددها ذات المفعول الإلهي.
مَددها سفينة نجاة لسنوات طوال.. لأيامي التي كنت أمرح بها -بلطف- مَددها وهفواتي الطائشة التي كنت أصيبها في شبابي بقصد أو بدونه.. ونكساتي وانتصاراتي وشرودي وتعجبي في مرحلة بلوغي العقلي.
إذ أعلنتْ الرحيلَ وأنا أعلنتُ السير دون مَدد وانتهت الرحلة بيني وبين مَددك لأدرك أنني أسير لقدرٍ يخلو منه مَددٌ ولطفٌ وإن كان لطفًا من الله فهو نعمة، ونحمد الله عليها وإن بقي مفعول مَددك فهذه هدية من رب العالمين.. ولكن تحتاج المَدد مني لتكون بين الأنبياء والشهداء والصديقين حتى أكون بارًا بكِ لرد جزء من مدَدكِ الذي فقدته.
سنوات وسنوات تمدّني بالمَدد حتى قربت أن أكون عتيًا… لكِ الجنة ولنا المَدد ولكِ الدعاء والمنزلة عند الله يُقدّرها بقدر المَدد.. بيني وبينك.