محيي الكردوسي يكتب : السنوار يطعن.. وتل أبيب تنزف!

دخلت “حرب غزة” شهرها العاشر على التوالي ولا يزال نهر الدماء الفلسطيني يروي أرضها المتعطشة للحرية منذ وعد بلفور.
إن المتأمل لتاريخ حروب الاحتلال على الفلسطينيين؛ يرى أن هذه الحرب تعد أقوى الحروب على الإطلاق؛ فقد نزف الكيان – على إثرها – على جميع المستويات، خاصة بعد سقوط هيبته الدولية، ووضوح وجهه القبيح.. ولقد كان الجرح الأكثر عمقا من جراء هذه الحرب هو نزيف الكيان اقتصاديا، حيث بدأ اقتصاده يهوي؛ نتيجة إغلاق 60 ألف شركة خلال العام الحالي، اضطر 77% منها إلى الإغلاق منذ بداية الحرب.
لقد أجبرت الحرب الحالية اقتصاد الكيان على الانطلاق نحو الهاوية بسرعة تشبه سرعة صواريخ القسام تجاه تل أبيب؛ ليحقق خسائر كبيرة بلغت نحو 146 مليار شيكل (39.77 مليار دولار)، وليرتفع الإنفاق الحكومي – منذ بداية العام الحالي – إلى ما يزيد على 300 مليار شيكل (81.72 مليار دولار)، بزيادة 34.2% عن العام الماضي، وقد كانت النسبة الأكبر من هذه القيمة موجهة نخو القطاع العسكري والوزارات المتعاونة مع وزارة الدفاع.
ومما سبق، ندرك أن طعنات السنوار أصابت الهدف الإسرائيلي بين عينيه، وأجبرت الكيان على اتخاذ خطوات اقتصادية سريعة إلى الخلف عادت به إلى عام 2008م، وذلك عقب هروب الشركات الكبري وإغلاق مقراتها داخل الكيان، فضلا عن توقف الشركات الصغيرة التى يعتمد عليها اقتصاد الكيان بشكل كبير، خاصة شركات القطاع التكنولوجي الذي يحرز فيه الكيان تقدما ملحوظا.
ومع توسيع دائرة الصراع مع لبنان وسوريا واليمن وإيران؛ يدخل اقتصاد الاحتلال في نفق مظلم، مما يجعل الشعب الاحتلال الإسرائيلي يدخل مرحلة الغضب الاقتصادي الشعبوي، ومما يزيد من خطورة هذا الغضب أن جميع مواطني دولة الاحتلال مزدوجو الجنسية ، مما يجعل الهروب إلى الدولة الأم أمرا مطروحا وبقوة، وهو بالنسبة لهؤلاء المواطنين الصهاينة أفضل من التظاهر.. ووفقا للإحصائيات الإسرائيلية فإن دولة الاحتلال شهدت أكبر هجرة عكسية منذ وعد بلفور، حيث بلغ عدد المهاجرين ما بين 500 ألف إلى مليون مهاجر، منذ ضربات السنوار في 7 أكتوبر الماضي، وقد كانت الوجهة الرئيسية لأغلب هؤلاء المهاجرين هي الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
في السياق الاقتصادي نفسه، بات الكيان المحتل على بعد خطوات من هبوط تصنيفه للمرة الثانية في “ستاندرد آند بورز”؛ بعد أن نزل من مستوى “إيه إيه”، إلى “إيه +” ، في حين يصنفه “موديز” عند “إيه 2″، أي ما يعادل “إيه” على مقياس “ستاندرد آند بورز”، أما في ما يخص وكالة التصنيف الثالثة (فيتش) فإنها تمنح دولة الاحتلال تصنيف “إيه +”.
ومما لا شك فيه أن هذه المؤشرات العالمية السابقة ترسم ملامح الكيان أمام المستثمرين، وتؤكد لهم أن هذه الدولة بها مخاطر كبيرة، وعقبات شديدة الخطورة، أمام الاستثمار، وهو الأمر الذي يحتاج إلى سنوات حتى تستطيع دولة الاحتلال أن تعيد الثقة في اقتصادها الذي سيستمر في نزيفه على المدى الطويل.
ومما يطوِّل من هذا النزيف – حتى مع وقف العدوان على غزة – ذلك الصراع الجاري مع حزب الله اللبناني، وما آلت إليه تداعياته من تحول المعركة إلى قلب دولة الكيان، بعد (عمليات الهدهد) بمراحلها الثلاث، وهي العمليات التي جعلت دولة الاحتلال كتابا مفتوحا أمام حزب الله اللبناني.
ومما يُلاحظ أن كثيرا منَّا يقول إن الولايات المتحدة ستدعم اقتصاد الكيان، خلال الفترة المقبلة؛ ورغم أن ذلك القول قد يكون صحيحا، إلا أن ما يجب ملاحظته هنا أن هذا الدعم الأمريكي سيكون في أدنى مستوياته، منذ ارتباط الكيان بالولايات المتحدة، وذلك بسبب المظاهرات المناهضة للكيان داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دخول واشنطن في نفق مظلم اقتصاديا، بسبب الإنفاق الكبير على الحرب في أوكرانيا، والذي بلغ نحو 174 مليار دولار، على مدى 30 شهرا.. حيث شمل ذلك الإنفاق: مساعدات عسكرية واقتصادية، ذهب نحو 5 مليارات منها لإعادة تسليح الحلفاء، ونحو 15 مليارا أخرى لتوسيع العمليات العسكرية الأمريكية في أوروبا.. لكن بعد عامين ونصف، نضب هذا التمويل، ولم ترسل إدارة بايدن – التي كانت تشحن حزمتي أسلحة أو ثلاث كل شهر – شحنة أسلحة كبيرة لأوكرانيا منذ 27 ديسمبر الماضي.. ما يؤكد أن الولايات المتحدة تواجه عجزا ماديا لا يسمح لها باستكمال ما كانت تفعله مع أوكرانيا منذ بداية الحرب، ما يعني – بالتبعية – أن تمويل الولايات المتحدة لدولة الاحتلال لن يكون عند المستوى المطلوب، وهو ما من شأنه أن يضعف دولة الاحتلال المنهكة أصلا بفعل “ضربات السنوار”.